الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال أبو الأسود:
وأنشد الأصمعي: ورُوِّينا عن ابن الإعرابي: رَجُل رَجْلَان، ورَجَل أي: رَاجِل.وقراءة الكافة: {رِجَالًا} جَمْع رَاجِل أيضا، كصائِم وصِيام، وصَاحِب وصِحَاب.ومن ذلك قراءة ابن أبي إسحاق، ورويت عن أبي عمرو: {وَالْمُقِيمِي الصَّلاةَ}، بالنصب.قال أبو الفتح: أراد {المقيمين}، فحذف النون تخفيفا، لا لِتُعَاقِبَها الإضافة، وشبه ذلك باللذين والذين في قوله: حذف النون من الذين تخفيفا لطول الاسم، فأما الإضافة فساقطة هنا، وعليه قول الأخطل: حذف نون اللذان لما ذكرنا، لَكِن الغريبَ من ذلك ما حكاه أبو زيد عن أبي السمال أو غيره أنه قرأ: {غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهَ}، بالنصب. فهذا يكاد يكون لحنا؛ لأنه ليست مع لام التعريف المشابهة للذي ونحوه، غير أنه شبه {معجزي} بالمعجزي، وسوغ له ذلك علمه بأن {معجزي} هذه لا تتعرف بإضافتها إلى اسم الله تعالى، كما لا يتعرف بها ما فيه الألف واللام، وهو {الْمُقِيمِي الصَّلاةَ} فكما جاز النصب في {الْمُقِيمِي الصَّلاةَ} كذلك شبه به {غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهَ}. ونحو: {الْمُقِيمِي الصَّلاةَ}.بيت الكتاب: بنصب العورةَ على ما ذكرتُ لك. وقال آخر: ومثل قراءة من قرأ: {غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهَ}، بالنصب قول سويد: وقرأ بعض الإعراب: {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}، بالنصب.وأخبرنا أبو على عن أبي بكر عن أبي العباس، قال: سمعت عمارة يقرأ: {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارَ}، فقلت له: ما أردت؟ فقال: أردت: سابقٌ النهارَ، فقلت له: فهلا قلته. فقال: لو قلته لكان أوزن، يريد: أقوى وأقيس. وقد ذكرنا هذا ونحوه في كتابنا الخصائص وغيره من كتبنا.ومن ذلك قراءة ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وإبراهيم وأبي جعفر محمد بن علي والأعمش، واختلف عنهما، وعطاء بن أبي رباح والضحاك والكلبي: {صَوَافِنَ}.وقرأ: {صَوَافِيَ} أبو موسى الأشعري والحسن وشفيق وزيد بن أسلم وسليمان التيمي، ورويت عن الأعرج.قال أبو الفتح: هي {الصافنات} في قول الله تعالى: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَاد}، إلا أنها استعملت هنا في الإبل. والصافن: الرافع إحدى رجليه، واعتماده منها على سنبكها. قال عمرو بن كلثوم: و{صَوَافِيَ} أي: خوالص لوجهه وطاعته. وقال العجاج: ومن ذلك قراءة أبي رجاء: {القنِعَ}.قال أبو الفتح: يريد {القانع}، وهي قراءة العامة، إلا أنه حذف الألف تخفيفا وهو يريدها وقد ذكرنا ذلك فيما مضى، وأنشدنا فيه قوله: ونحوه ما رويناه عن قطرب من قول الشاعر: أراد: لا بارَكَ اللهُ، فحذف الألف تخفيفًا. وعليه قول الآخر: يريد الطَّلال، كما قال القحيف العقيلي: ومن ذلك قراءة أبي رجاء وعمرو بن عبيد: {والْمُعْترى} خفيفة، من اعترىت.قال أبو الفتح: يقال: عَرَاهُ يَعْرُوهُ عَرْوًا فهو عَارٍ، والمفعول مَعْرُوّ. واعتراه يعتريه اعتراء فهو مُعتَرٍ. والمفعول مُعترًى. وعرَّه يَعَرُّه عرًّا فهو عَارٌّ. والمفعول معرور. واعتره يعترُّه اعترارًا فهو معتَرٌّ، والمفعول مُعْتَرٌّ أيضا. لفظ الفاعل والمفعول به سواء. وكله: أتاه وقصده. والقانع: السائل، والمعتر: المتعرض لك من غير مسألة. قال ابن أحمر: قال طرفة: ومن ذلك قراءة الجحدري بخلاف: {وصُلُوتٌ} بضم الصاد واللام، وإسكان الواو، والتاء.وروى عنه: {وصِلْواتٌ}. بكسر الصاد، وجزم اللام بعد الواو. بالتاء.وقرأ: {وصُلُوتٌ} أبو العالية- بخلاف- والحجاج بن يوسف- بخلاف – والكلبي، وقرأ: {وصُلُوتٌ}، الحجاج. ورويت عن الجحدري، وقرأ: {وَصُلُوَتٌ} جعفر بن محمد، وقرأ: {وصُلُوتًا} مجاهد، وقرأ: {وصلَوَاتٌ} الجحدري والكلبي بخلاف، وقرأ: {وصِلْوِيتًا} عكرمة.قال أبو الفتح: اعلم أن أقوى القراءات في هذا الحرف هو ما عليه العامة، وهو: {صَلَوَاتٌ}.ويلي ذلك {صُلُواتٌ} و{صُلَوَات} و{صِلْوَاتٌ}. فأما بقية القراءات فيه فتحريف وتشبث باللغة السريانية واليهودية.وذلك أن الصلاة عندنا من الواو، يدلك على ذلك ما كان رآه أبو على فيها، وذلك أنها من الصَّلَوَيْن وهما مكتنِفا ذنَب الفرس وغيره مما يجري مجرى ذلك، قال: واشتقاقه منه أن تحريك الصَّلَوَيْنِ أول ما يظهر من أفعال الصلاة، فأما الاستفتاح ونحوه من القراءة والقيام فأمر لا يظهر، ولا يخص ما ظهر منه الصلاة، لَكِن الركوع أول ما يظهر من أفعال المصلي. وقولهم أيضا في الجمع: صلواتٌ، قاطع بكون اللام واوا، وإنما ذكرنا وجه اشتقاقها من الصَّلَوَيْن. فصلوات جمع صلاة، كقنوات من قناة.وأما {صُلُوَات} و{صُلَوَات} فجمع صُلْوَة، وإن كانت غير مستعملة. ونظيرها حُجْرَة وحُجُرَات وحُجَرَات. وأما {صِلْوَات} فكأنه جمع صِلْوَة كرِشْوَة ورِشْوَات، وهي أيضا مقدرة وغير مستعملة، كتقدير {صُلْوَة}. وقد تكون {صُلَوَات} بفتح اللام أيضا جمع صُلاة كطُلاة وطُلَيَات. وإنما بدأنا بقولنا إنها جمع صُلْوَة كحُجُرات جمع حُجْرَة، ولم تقدم ذكر صلاة المتقدرة ليقل تقدير ما لم يخرج إلى الاستعمال.ومعنى {صَلَوات} هنا: المساجد، وهي على حذف المضاف، أي: مواضع {الصَّلَوَات}، ومنه قولهم: صلى المسجد، أي: أهله. وأذن المسجد، أي: مؤذنه. وقال: قال أبو حاتم: ضاقت صدورهم لما سمعوا {هُدِّمَتْ صَلَوَاتٌ}، فعدلوا إلى بقية القراءات، وقال الكلبي: {صُلُواتٌ}: مساجد اليهود، وقال الجحدري: {صُلُواتٌ}: مساجد النصارى. وعندنا من خارج باب الموصل بيوت يدفن فيها النصارى تعرف بالباصَلُوث، بثاء منقوطة بثلاث، وقال قطرب: صُلُوث بالثاء: بعض بيوت النصارى، قال: والصُّلُوثُ: الصوامع الصغار لم يسمع لها بواحد، قال: وقال ابن عباس: {صَلَوَات}: كنائس اليهود، وصوامع الرهبان، وبِيَع النصارى.وقال أبو حاتم: قال الحسن: تهديمها: تعطيلها، وقول الله سبحانه: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}، ثم قال: {وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}، فهذا يدل على أن المراد: لا تقربوا المسجد، فقال: {الصلاة}.ومن ذلك قراءة الجحدري: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ}، ساكنة العين.قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون ذلك على عَطَلَتْ أو أَعْطَلَتْ أو عَطِلَتْ فهي عَاطِل، وأَعْطَلْتُها فهي مُعْطَلة، فيكون منقولا من ثلاثي على فَعَلْتُ أو فَعِلْتُ، والفتح أولى بالعين فيه من الكسر؛ لأن عَطِلَ يقال للمرأة إذا عَطِلَتْ من الحَلْي، كما قال في ضِده: حَلِيَت فهي حالِيَة، وقالوا: امرأة عاطل بلا هاء، كأخواتها من طاهر وطامث.ومن ذلك قراءة لاحق بن حميد: {فَلا يُنَزِعُنَّكَ}.قال أبو الفتح: ظاهر هذا فلا يستخِفُّنَّك عن دينك إلى أديانهم، فيكون بصورة المنزوع عن شيء إلى غيره. ومنه قول الله: {وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ}، ونحوه قول يونس في قول الله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا}، ألا تراه كيف ذهب إلى تعليق ينزع في هذا الموضع؟ ولو كان بمنزلة نزع الرَّجُلِ الرِّجْلَ من الخف أو المسمار من الجذع ونحوه لما جاز تعليقه.قال أبو علي: فإنما هو إذًا كقولك: لنميزنهم بالاعتقاد والعلم فنخصهم باستحقاق الذم بما يجب اعتقاده في مثلهم. هذا محصول ما كان يقوله أبو على فيه وإن لم يحضرني الآن صورة لفظه. فكذلك إذًا قوله: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هم نَاسِكُوهُ فَلا يَنْزِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ} أي: فاثبت على دينك ولا يمل بك هواك إلى اعتقاد دين غيرك.وأما قراءة العامة: {فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ} أي: فاثبت على يقينك في صحة دينك ولا تلتفت إلى فساد أقوالهم، حتى إذا رأوك كذلك أمسكوا عنك ولم ينازعوك، فلفظ النهي لهم ومعناه له، صلى الله عليه وسلم. ومثله قولهم: لا أرينك ههنا، ألا ترى أن معناه: لا تكن هنا فأراك؟ فالنهي في اللفظ لنفسه، ومحصول معناه للمخاطب. ومثله قول النابغة: أي لا تَدْن مني كذلك فأعرفها، وكلام للعرب كثير الانحرافات ولطيف المقاصد والجهات، وأعذب ما فيه تلفته وتثنيه. اهـ.
|